نسبه ونشاته
هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي ، ولد على أشهر الروايات في سنة 101هـ (721م) [1] وقيل أيضاً 117هـ (737م) [2] وقد اختلفت الروايات على تحديد أصله وكذلك مكان مولده فمن المؤرخين من يقول بأنه من مواليد الكوفة على الفرات ، ومنهم من يقول أن أصله من مدينة حران من أعمال بلاد ما بين النهرين ويوجد حتى من يقول أن أصله يونانياً أو أسبانياً . ولعل هذا الانتساب ناتج عن تشابه في الأسماء فجابر المنسوب إلى الأندلس هو عالم فلكي عربي ولد في إشبيلية وعاش في القرن الثاني عشر الميلادي . ولكن معظم المصادر تشير إلى أنه ولد في مدينة طوس [3] من أعمال خراسان .
هاجر والده حيان بن عبد الله الأزدي من اليمن إلى الكوفة في أواخر عصر
بني أمية ، وعمل في الكوفة صيدلياً وبقي يمارس هذه المهنة مدة طويلة ( ولعل مهنة والده
كانت سبباً في بدايات جابر في الكيمياء وذلك لارتباط العلمين ) وعندما ظهرت دعوة العباسيين
ساندهم حيان ، فأرسلوه إلى خراسان لنشر دعوتهم ، وهناك ولد النابغة جابر بن حيان المؤسس
الحقيقي لعلم الكيمياء .
وعندها شعر الأمويون خطر نشاط حيان بن عبد الله الأزدي في بلاد فارس فألقوا
القبض عليه وقتلوه . ولهذا اضطرت عائلة حيان الأزدي أن تعود إلى قبيلة الأزد في اليمن
. وهناك ترعرع جابر بن حيان الأزدي . وعندما سيطر العباسيين على الموقف سنة (132هـ)
في الكوفة واستتب الأمن ، رجعت عائلة جابر بن حيان إلى الكوفة . وتعلم هناك ثم اتصل
بالعباسيين وقد أكرموه اعترافاً بفضل أبيه عليهم وكان أيضاً صاحب البرامكة . وتوفي
جابر وقد جاوز التسعين من عمره في الكوفة بعد فر إليها من العباسيين بعد نكبة البرامكة
وذلك سنـة 197هـ (813م ) [4] وقيل أيضا ً 195 هـ ( 810م ) [5].
وقد وصف بأنه كان طويل القامة ، كثيف اللحية مشتهراً بالإيمان والورع
وقد أطلق عليه العديد من الألقاب ومن هذه الألقاب " الأستاذ الكبير " و
" شيخ الكيميائيين المسلمين " و " أبو الكيمياء " و " القديس
السامي التصوف " و " ملك الهند " .
منهجه العلمي:
بنى جابر بن حيان معلوماته الكيميائية على التجارب والاستقراء و الاستنتاج
العلمي ، لذا فإنه بحق صاحب المنهج العلمي. فنلاحظ أن جابر آمن إيماناً عميقاً بأهمية
إجراء التجارب كسبيل علمي دقيق للوقوف على الحقائق ، بعد أن تخلى عن منهج التأمل العقيم
المنقطع الصلة بالواقع المشاهد .
فلقد نادى جابر بن حيان بأعلى صوته أن دراسة العلوم الطبيعية أساسها التجربة
، لذا نجد أن علماء المسلمين نهجوا منهج جابر بن حيان وحذوا حذوه وذلك ليس في مجال
الكيمياء وحسب وإنما في العلوم الأخرى . فجابر أول من أدخل التجربة العلمية المخبرية
في منهج البحث العلمي الذي أرسى قواعده ؛ وقد كان جابر ينصح طلابه بالقول المأثور عنه
:" و أول واجب أن تعمل وتجري تجارب ،لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى
أدنى مراتب الإتقان . فعليك بالتجربة لتصل إلى المعرفة " . فقد درس جابر بكل إمعان
المنهج العلمي عند علماء اليونان، فوجده يرتكز على التحليلات الفكرية الغامضة . لذا
نلاحظ أن جابر بن حيان اعتمد على المنهج العلمي الذي يخضع للتجربة المخبرية والبرهان
الحسي ، وذلك مع الاحتفاظ بالنظريات التي تعتبر عصب البحث العلمي ، فقد ألزم نفسه بأسلوب
من البحث النظري والسلوك العملي ، يضم تحته كلا المنهجين الاستدلالي و الاستقرائي ،
والذي هو في النهاية الأسلوب العلمي في المعنى الحديث . فجابر يطرح منهجه قائلاً :
"يجب أن تعلم أنا نذكر في هذه الكتب ، خواص ما رأيناه فقط دون ما سمعناه أو قيل
لنا أو قرأناه. بعد أن امتحناه وجربناه ، فما صح أوردناه وما بطل رفضناه ، ومما استخرجناه
نحن أيضاً وقايسناه على هؤلاء القوم " . وإضافة لهذا نرى جابر يجمع بين الامتحان
التجريبي أو العمل المعملي والفرض العقلي الذي تأتي التجربة لتأييده أو رفضه أو تكذيبه
و هو ما يعتبر لب المنهج التجريبي فيقول : "قد عملته بيدي وبعقلي من قبل وبحثت
عنه حتى صح و امتحنته فما كذب ". فالتجربة وحدها لا تكفي لتصنع عالماً ، بل لا
بد من أن يسبقها الفرض العلمي الذي يصنعه العالم ، ثم التجربة بعدئذٍ هي المحك ، و
يقول جابر أيضاً: " إياك أن تجرب أو تعمل حتى تعلم ويحق أن تعرف الباب من أوله
إلى أخره بجميع تقنيته وعلله ، ثم تقصد لتجرب فيكون بالتجربة كمال العلم ".
لقد جذبت نظرية العناصر الأربعة لأرسطوطاليس ( 384 ق.م- 322ق.م) انتباه
جابر بن حيان لذا فقد تناولها جابر بن حيان بالدراسة والبحث العميق باعتبارها أول لبنة
قامت عليها الكيمياء .
وقد قام جابر بالكثير من العمليات المخبرية كالتبخر ، والتكليس ، والتصعيد
، والتقطير ، والتكثيف ، والترشيح ، و الإذابة ، والصهر ، والبلورة .
ومن العمليات التي قام بها جابر :-
1-
تحضير " الملح القلوي " أو حجر البوتاس الكاوي :- يتناول جزئين اثنين من
الرماد وجزءاً واحداً من الحجر الجيري أو الكلس الحي ، ويتم وضع الكل على مرشح مع الماء
. وبعد ذلك يلجأ إلى تبخير السائل عبر جهاز الترشيح و لذي يتحول إلى ترسب صلب مشكلاً
الملح القلوي المراد تحضيره.
2-
تحضير ملح الأمونيا :- يسهل الحصول على هذا الملح ، ما يقول جابر ، باللجوء إلى التسخين
بواسطة وعاء للتسامي الغازي ، لمزيج يحوي جزئين اثنين من السائل البولي البشري مع جزء
من الملح العادي " كلوريد الصوديوم " ، بالإضافة إلى جزء ونصف الجزء من الفحم
الدخاني الأسود . وكان دور الفحم الناعم تجزئة المزيج بشكل أفضل .
3-
تحضير ملح البول : يحضر هذا الملح من بقايا السائل البولي بعد تحلله وشوائه في أتون
، وبعدها يحل في الماء لعزله بالتبلور فيما بعد ، وهكذا يكون ملح البول الذي حضره جابر
، الترسبات الملحية للبول ويعني ذلك مزيجاً من الأملاح القلوية المحتوية على الفوسفور
بشكل ملح الفوسفات . وفيما بعد يتم تحويل ملح البول إلى مركب الأمونيا الذي يتم الحصول
عليه بتسخين السائل البولي مع الكلس الحي أو الحجر الجيري .
وقد أكتشف جابر الصودا الكاوية أو " القطرون " NaOH". وهو أول من حضر ماء الذهب ، وأول من أدخل
طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الأحماض ، وهي الطريقة السائدة إلى يومنا هذا
، وماء الذهب أو الماء الملكي وهو عبارة عن حمض النتريك " HNO3 " إلى جانب حمض الهيدروكلوريك "HCl" ، إذ يستحيل على أي من الحمضين منفرداً
حل لذهب . ويكون جابر بن حيان أول من أكتشف حمضي النتريك و الهيدروكلوريك . وأكتشف
إضافة على هذين العنصرين حمض الكبريتيك " H2SO4" . وهو أول من عرف أنه عند خلط محلول الطعام
مع محلول نترات لفضة ينتج راسب أبيض ، وهذا الراسب هو كلوريد الفضة . ولا حظ أيضاً
أن النحاس يكسب اللهب لوناً أخضراً ، واللهب يكسب النحاس اللون الأزرق ، وشرح بالتفصيل
كيفية تحضير الزرنيخ ، والأنتيمون ، وتنقية المعادن وصبغ الأقمشة .كما زاد جابر عنصرين
جديدين إلى العناصر الأربعة لدى اليونانيين وهما الكبريت والزئبق ثم زاد الكيميائيين
العرب بعد ذلك عنصراً سابعاً وهو الملح . و اكتشف أن الشب يساعد على تثبيت الألوان
، كما أنه صنع ورقاً غير قابل للاحتراق .وحضر أيضاً نوعاً من الطلاء يقي الثياب من
البلل ، وآخر يمنع الحديد من الصدأ . كما أن جابر هو أول من استعمل الموازين الحساسة
، والأوزان المتناهية في الدقة في تجاربه العلمية ، ولقد بلور جابر بن حيان نظرية أن
الاتحاد الكيميائي باتصال ذرات العناصر المتفاعلة مع بعضها البعض وأخذ على كمثل الزئبق
والكبريت عندما يتحدا يكونان مادة جديدة . علماً أن هاتين المادتين لم تفقدا ماهيتهما
، بل أنهما تجزئا إلى دقائق صغيرة و امتزجت هذه الأجزاء صغيرة ببعضها البعض وتكونت
المادة الناتجة متجانسة التركيب . وبذلك يكون جابر بن حيان سابقاً دالتون العالم الإنجليزي
( 1766م- 1844 م) بأكثر من ألف سنة .
أعماله في الكيمياء
هذه قائمة بسيطة وموجزة حول بعض منجزات جابر بن حيان في علوم الكيمياء:
1
- إكتشف "الصودا الكاوية" أو القطرون (NaoH) .
2
- أول من إستحضر ماء الذهب.
3
- أول من أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحلّ بواسطة الأحماض. وهي الطريقة السائدة
إلى يومنا هذا.
4
- أول من أكتشف حمض النتريك.
5
- أول من إكتشف حمض الهيدروكلوريك.
6
- إعتقد بالتولد الذاتي.
7
- أضاف جوهرين إلى عناصر اليونان الأربعة وهما ( الكبريت والزئبق) و أضاف العرب جوهرا
ثالثا وهو (الملح).
8
- أول من إستخرج حامض الكبريتيك وسماه زيت الزاج.
9
- أدخل تحسينات على طرق التبخير والتصفية والإنصهار والتبلور والتقطير.
10
- إستطاع إعداد الكثير من المواد الكيميائية كسلفيد الزئبق و أكسيد الارسين (arsenious oxide
بعض مؤلفاته وكتبه
مصنفاته كما سبق و أشرت تتجاوز الخمسمائة مصنف ولكن سأذكر القليل منها
هنا ومن أهمها:
1
- كتاب الرحمة: ألفه في الشيمياء وتطرق فيه إلى إمكانية تحويل المعادن إلى ذهب.
2
- كتاب السموم ودفع مضارها: كتاب في خمسة فصول تبحث أسماء السموم و أنواعها وتأثيراتها
المختلفة على الإنسان والحيوان. والعلامات والعلاج والحذر من السموم وفيه قسم السموم
إلى سموم حيوانية ونباتية وخجرية كالزئبق والزرنيخ والزاج. وهذا الكتاب يعتبر همزة
وصل بين الطب والكيمياء.
3
- نهاية الإتقان: وهو مؤلف رائد في الكيمياء.
4
- إستقصاءات المعلم : وهو يتفوق على السابق من حيث الأهمية رغم أنه يسبقه بزمن .
5
- كتاب الوصية الجابرية: يشرح فيه بعض إستنتاجاته الكيميائية .
6
- الكيمياء الجابرية : يشتمل على مجموعة من المكتشفات ذات الشأن الكبير في الكيمياء.
7
- كتاب السبعين : ويشمل سبعين مقالة حول أهم تجاربه في الكيمياء والنتائج التي توصل
إليها ويمكن إعتباره خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره.
و خلاصة القول أن جابر بن حيان كان سابقاً عصره بقرون ولولا ما كان منه من نتاج علمي ضخم لما وصل العالم إلى التقدم الذي يعيشه .فهذه الصنعة ( أي الكيمياء ) هي صنعة جابر وقد قال فيه أحد المفكرين الغربيين " إن فضل جابر على الكيمياء ، كفضل أبقراط في الطب ، و أرسطو طاليس في علم المنطق ، و إقليدس في علم الهندسة .